مناقب الامام علي ع

السلام عليكم وهذه المقدمة هي نقطة في بحر مناقب وعجائب الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام، ومن أجمل ما امتاز به الإمام علي سلام الله عليه عن غيره هو علمه بالخطابة والبلاغة، فكان عليه السلام سيد الفصاحة والبلاغة حتى قيل عنه "كلام علي أعلى من المخلوق أدنى من الخالق"، باستثناء المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم،لأنه هو منبع علم علي ومصدره فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد مدينتي فليأتني من بابها"، وأجمل ما أعطاه الإمام عليه السلام في علم الكلام والخطابة، وروائع الحديث والفصاحة هو "نهج البلاغة".
ونهج البلاغة عبارة عن مجموعة الخطب والرسائل والحكم والمواعظ لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وهذا الكتاب هو رسالة إنسانية وتعاليم تربيوية وجدانية أسسها الإمام علي سلام الله عليه للبشرية، حتى كانت بمثابة الدستور العادل والحكم الشامل لجميع الأمور الحياتية والقضايا الإنسانية، وبنى الإمام هذه الرسالة بتعاليم الإسلام مستلهمًا كلامه المقدس من القرآن وسنة المصطفى الشريفة، وبيّن روحي له الفداء الحقائق والمعلومات التي تبهر البشر بصورة بلاغية رائعة فاقت كلماتها الخيال والعذوبة.
وأما بداية الكتاب فاستهلها الإمام بخطب التوحيد وبدأ بالتسلسل في العلم المكنون، والسر المستودع لديه، من الأوصاف والحقائق والفصاحة التي لطالما أدبت وربت الكثير من الأجيال، ونجده كثيرًا ما يختم كلامه المبارك بالحكم والمواعظ التي ترسخ في عقل الإنسان وتحذره وتساعد على تقوية النفس البشرية بالإيمان والتوحيد.
وقد ركز الإمام سلام الله عليه في خطبته المذكورة في المنهج،المراد الحديث عنها، على الذات الإنسانية، وبين ما لها وما عليها من أمور، وبين للإنسان أن الملك الحقيقي هو ملك النفس، وعلى الإنسان أن يشتغل بنفسه عن غيره بقوله:"من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره." ، وهذا الكلام يوافق الآية الشريفة لقوله تعالى:"إن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم."، وأوجب الإمام في كلامه على أهمية محاسبة النفس والابتعاد عن الذنوب. إضافة إلى ذلك قام الإمام بالتشديد على حرمة البدع، وخطورتها على الدين الإسلامي، ووعظ الناس وأمرهم بالاتعاظ من الأحداث، والالتزام بما حرمه الله وحلله.
ومن جانب آخر أسدى الإمام علي عليه السلام نصائح للناس يأمرهم فيها بالاستقامة، وصون اللسان، والمحافظة على الأخلاق الحسنة حتى يلقى الإنسان ربه نقي الراحة، واشتمل في الخطبة وصف للقرآن الكريم، الذي هو حبل الله المتين كما وصفه الإمام، وبين أنه هو الحكم والفاصل، والأنيس والمعلم لكل مسلم في أمور حياته، ثم استهل فيما بعد بتعريف أنواع الظلم، وقسمهم إلى ثلاثة أقسام: ظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب، وفسر ببلاغته السامية معنى كل منهما، وختمت الخطب بكلامه في لزوم الطاعة والاشتغال بها، وشدد على أهمية لوم النفس على الخطيئة.
وجاءت هذه المفردات العذبة البيان، الفصيحة اللسان، بأسلوب يأسر المستمع إليه، ومطبوعة بقالب بلاغي ومحتوى أدبي بأعلى مراتب الفصاحة والبلاغة الخطابية، في بيان مختوم ومنهج مرسوم، مقرب إلى الإنسان، ومجبول على طاعة الرحمن، حسن الصياغة أسموه "نهج البلاغة".
ومن أجمل وأبرز ما ألقى أمير المؤمنين عليه السلام الخطبة الشقشقية، والغراء، والتوحيد، والملاحم وغيرها، ويقول الشريف الرضي رحمه الله الذي جمع نهج البلاغة: " كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، منه ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها."
والهدف من نهج البلاغة هو نشر الوعي والفكر العلوي السامي الهادف إلى الناس كافة، والتوجيه والتوعية السليمة للناس في الحقوق والواجبات في علاقة العبد مع ربه، إضافةً إلى تعلم الناس الخطابة والكتابة والثروة اللغوية والبلاغية، هذا وقد كان تركيز نهج البلاغة على التوحيد والإيمان كوسيلة أو أساس لشرح مناهج الحياة وقواعدها، ولقد تحدث الإمام عليه السلام عن كل ماهو مهم في حياة الإنسان، تحدث عن بديع خلق المخلوقات، وعجائب صنع الله، وتعريفه للقضاء والقدر ومعنى البعث والنشور، وغيرها من الأمور.
أسس لنا علي عليه السلام منهجًا متكامل قمت بتشبيهه فيما سبق بالدستور، وهو أهلاً لذلك، بل قيل أفصح كتاب بعد القرآن الكريم هو نهج البلاغة، والسبب في ذلك يرجع إلى جمالية المنطق الذي وجهه الإمام في خطبه أثناء مخاطبته مع الناس، وتوجيهه إليهم بأصدق التعابير وأفصح الكلمات، وبهذه المناسبة أريد أن أذكر موقفًا من مواقف الإمام التي ذكرت في نهج البلاغة للشريف الرضي، ويروى أن الإمام كان جالسًا مع نفر من الصحابة فتذاكروا أن اللغة العربية يستحيل أن تخلو من ألف، فارتجل الإمام عليه السلام قائلاً هذه الخطبة العريقة المعروفة بخطبة بلا ألف "حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته وسبقت رحمته غضبه....." إلى آخر الخطبة، ونلاحظ هنا أن فصاحة الإمام الأدبية وقدرته فاقت العرب والناس جميعًا، حيث أن الإمام ألقى خطبة أمام مجمع العرب من فصحاء قريش وبلغائها بلا ألف، وليس هذا فقط العجيب في خطبته عليه السلام، بل الأعجب أنه إضافة إلى ذلك ألقى الإمام خطبة في غاية البلاغة والفصاحة، ذات معنى رائع ،احتوت على الحمد والثناء على الله، وقدرة الله على خلقه، فمن منا يستطيع الإتيان بخطبة بليغة فصيحة تحتوي على المحسنات البديعية والسجع، وفي نفس الوقت خالية من الألف،وهذه إحدى الخطب النورانية البارزة من كتاب نهج البلاغة.
ومما لا شك فيه أن بلاغة الإمام وفصاحته وجمالية إلقاءه وحديثة واختياره للمحسنات البديعية والتشبيهات والصور والأدلة والمنطق، ساهمت كثيرًا في إصابة الهدف وإيصال أفكاره وعلومه للناس كافة،وكان ذلك هو "نهج البلاغة" الكنز اللغوي الثمين، والرسالة التربوية الإيمانية، خلدت وصورت للعالم لترسخ القيم والمفاهيم الصحيحة والتوجيه السليم، وأذكر ما قاله الأديب الإنجليزي جورج برناردشو عندما قرأ شيئًا من نهج البلاغة قال:" كلام مثل هذا يجب أن يكتب بماء الذهب" ، فالسلام على سيد الفصاحة وموردها يوم ولد في بيت الله، ويوم استشهد في بيت الله ويوم يبعث حيًا للقاء الله، والحمد لله

» معجزة من معجزات الامام علي (ع)
» عن الامام الحسين ع
» وصية النبي(ص)الى الامام علي(كرم)