إن ثورة الأمام الحسين (ع) ثورة نادرة، امتازت بها الأمة الاسلامية دون سائر الأمم. ولو كانت لبقية الأمم لاستدرّت منها طاقات تؤهّلها للسيطرة على الأرض. ولكن الأمة الاسلامية تبخسها لهبوط مستوى الوعي في قيادتها، فلا تستفيد منها بالمقدار الممكن ورغم أنها تهدر هذه الطاقات المعنوية الهائلة يجب عليها إبقاء هذه الثورة حيّة طريّة في واقعها، عسى أن تؤوب إلى رشدها في يوم من الايام، فتستنتج مواهبها لبناء كيانها من جديد. ولو أن الأمة فرطت اليوم بثورة الأمام الحسين (عليه السلام) لأنها أعجز من أن تعتصر مواردها لحكمت على نفسها بالدمار الشامل المحتوم، إذ تكون قد سدَّت على الأجيال الطالعة أغزر مواردها، حتى لو استيقظت يوماً من الأيام لا تقدر على النهوض، إذ لا تجد مقومات النهوض. ولا أعدو الواقع إذا قلت بأن صورة الأمام الحسين (عليه السلام) أعظم أمانة امتحنت بها الأمة الاسلامية. فحافظت عليها بالضحايا الكثار، حتى تناقلتها أجيال الأمس وسلّمتها إلى هذا الجيل الملغوم، فيجب على هذا الجيل أن يحافظ عليها بجميع إمكاناته لتسليمه إلى أجيال الغد. وعندما حاول الاستعمار هضم الأمة الاسلامية بادر إلى انتدال مصادر القوة فيها، فانتدل منها القرآن،وانتدل منها الحج، وشاء أن ينتدل منه ثورة الحسين، ولكن لم يقدر على انتدالها، وحاول مسخها وتشوييها حتى تشل عن التفاعل والانتاج، فاستعصت على المسخ والتشوّه لوجود مصادرها الاصلية، فانحسر الاستعمار وبقيت ثورة الحسين أقوى من أن تصادر أو تشوّه. ولا زالت الثورة الحسينية تقاوم الاستعمار، فمن منابرها ينطلق صوت القرآن، وفي مواكبها تجري خصال محمد وعلي الزهراء، وفي ظلّها يعيش كل من هدى الله قلبه للإيمان، فشاء أن يتفيّأ ظلال السلام. وهذه الحقيقة أقضت مضاجع المستعمرين، فراحوا يجنّدون قواهم ويركّزوها على محاربة هذه الثورة الجبّارة التي أبى الله لها أن تستسلم أو تهادن، فخسئت هجمات المستمرين مغلولة خوارة. وإن الاستعمار وأذنابه في بلاد السلام يشنون هجوماً واسعاً وحرب عشواء لصدِّ هذه الثورة المباركة، وهم يعلمون أن ثورة الحسين (ع) هي القلعة الوحيدة الصامدة لأي تمنع انحسار الاسلام وتقدم الاستعمار. مع أن حربهم لا تستند إلى دليل معين، وإنما تنتهز كل حقّ وباطل لضرب هذه الثورة المقدسة، فمرّة تستدل بالآراء الشاذة لبعض المؤلفين، بينما هم لا يعترفون بأولئك المؤلفين، بينما هم لا يعترفون بأولئك المؤلفين ولا بالمراجع الكبار إلا للتستّر بأسمائهم فقط، وطوراً تتذرّع بأن الأعداء يضحكون منّا، فيما هي لا تحذر أن يضحك منها الأعداء والأصدقاء، عندنا جعلت من نفسها أصابع طيّعة للاستعمار. ويأتي دور الشعائر الحسينية التي تمثّل امتداد ثورة الحسين (عليه السلام) التي كانت وما زالت تؤدي دوراً كبيراً في الحفاظ على الاسلام ونشره بصدق وإيمان ووعي. وحيث أن أعداء الاسلام والتشيع، ما ملكوا منذ اليوم الأول سلاحاً من العقل والدين لمحاربة التشيع، لم يجدوا بداً من التوسّل بالاستهزاء ـ الذي هو سلاح المبطلين ـ لمطاردة التشيّع، غير أن الحقّ الذي مثّله التشيّع أكمل تمثيل أقوى من أن يهزمه الاستهزاء، وكانت الشيعة وما زالت أصلب من أن ينال منهم الحديد والنار، فكيف بالاستهزاء، وكان أئمتهم يشجّعونهم على هذه الصمود، وقد دعا لهم الإمام الصداق (عليه السلام) بقوله: (اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خلافنا فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلب على حفرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم لتلك الصرخة التي كانت لنا). وقد دعا النبي الأعظم (ص) على من يستهزئ بالشيعة على إقامة شعائرهم في حديثه لأمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: (ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم كما تُعَيَّر الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا أنالهم الله شفاعي ولا يردّون حوضي). ولكن، ما ضرّ الذين يقيمون شعائر دينهم أن يسخر منهم الجاهلون ما داموا يعلمون أنهم على حقّ وأن أعداءهم على باطل ولقد شكوا عند الأمام الصادق (عليه السلام) استهزاء الأعداء هم فقال مهدئاً روعهم: (والله لحظّهم أخطأوا، وعن ثواب الله زاغوا، وعن جوار محمد (ص) تباعدوا). |